الأحد، 3 سبتمبر 2017

فيلم الكنز: السينما كما يجب أن تكون ♦

فيلم الكنز: السينما كما يجب أن تكون ♦

فيلم الكنز: السينما كما يجب أن تكون ♦

السينما هذا الحلم الملون الجميل، الواقع الموازي الذي تغرق فيه حتى أذنيك، الإدمان الوحيد الذي لا يودي بك إلّا إلى المزيد من الإنسانية، المهرب الذي من الممكن أن يدلك يومًا على الطريق، والحصن الآمن الذي تتوارى بين جنبيه من قبح الواقع وقسوته.
هناك بالطبع سينما أخرى لا تنتمى للأحلام ولا للفن ولا الإنسانية، ولكن لا مجال لذكرها هنا، أولًا لأنّنا حقًا أمام فيلم جميل، ثانيًا لأنّنا في أيام مفترجة، فموسم أفلام العيد بدأ وبدأ معه الماراثون، هذا الماراثون الذي سيجد شيئًا جميلًا يراهن عليه.
فيلم الكنز الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم يمكننا أن نصنفه بالملحمي، فهو يدمج الفولكلور الشعبي بالتاريخ الفرعوني بالوقت المعاصر في تضفير فني محكم للغاية، فينتج عن ذلك سينما تجتذب عيني المشاهد للتعلق بالشاشة طوال ساعتين ونصف دون لحظة إملال واحدة، بل وبتصفيق حاد من جمهور القاعة الذي قرر أن يحيى ما رآه على الشاشة رغم وعيه الكامل أنّه لا أحد هنالك من صُنّاعه ليسمع هذا التصفيق، ولكن الفن الجميل كائن مستقل بذاته يجب أن نصفق له متى كان قادرًا على أن يكون – حقًا – فن جميل.

شريف عرفة … عبد الرحيم كمال وآخرون

شريف عرفة و محمد رمضان فيلم الكنز
اسم شريف عرفة هو جواز مرور شرعي لعقول محبي السينما، فهو علامة مسجلة للسينما الجميلة فلا يمكن لأحد أن يتجاهل علامات كبيرة كفيلم الإرهاب والكباب، أو اضحك الصورة تطلع حلوة، والناظر، وغيرها، وحتى لو اختلف معه الجمهور مؤخرًا حول قيمة أفلام قام بإخراجها كفيلم إكس لارج مثلًا، إلّا أنّ عرفة يظل علامةً مميزةً في الإخراج المصري.
عبد الرحيم كمال في السنوات الأخيرة استطاع أن يكون اسمه ضمانةً لنسبة مشاهدة محترمة للمسلسلات التي يقوم بكتابتها في الموسم الرمضاني، وحتى بعد أن ينقضي الموسم تظل علامات عبد الرحيم كمال مرجعيات للدراما، فلا زال الجمهور يستشهد بكلمات الخواجة عبد القادر إلى الآن.
أمّا اليوم عندما يلتقي شريف عرفة وعبد الرحيم كمال، فيجب أن ترى قصة محكمة وجذابة وعبارات مؤثرة وحوار قوي، مع أفضل صورة بصرية وضبط لانفعالات وحركات الممثلين وحرفية في صناعة التفاصيل والاهتمام بها، هذا فيلم يعرف صانعوه ما يفعلونه خاصةً أنّهم يراهنون على نجاح فيلمهم في جزئِه الأول، فقد كتب عبد الرحيم كمال قصة شاب يعود من أوروبا بعد موت عمه ليبيع بيت العائلة ويعود فيفاجأ بأنّ أبوه ترك له إرثًا لا يتمثل في البيت فقط، بل شرائط مسجلة صوت وصورة، وملفات تحكي سير قديمة لعلي الزيبق وحتشبسوت والكثير من الشخصيات التي تخطفه، فلا يعرف ماذا يجب أن يفعل بالضبط حيال ما يقرأه ويعرفه.
يأخذنا الفيلم في رحلة عبر ثلاثة أزمان، زمن حتشبسوت والمعابد والنقوش الفرعونية الملونة والملابس التي كانت متقنة للغاية، وزمن علي الزيبق ومصر القديمة بأحيائِها العريقة وزمن الشطار ومقدمي الدرك والولاية العثمانية، وزمن الملك فاروق والبوليس السياسي، كل زمن يحكي حكاية مختلفة تنتهي عند حسن الشاب العائد من أوروبا والذي لا يفهم بالتحديد ماذا يريد له أبوه أن يفعل، ونحن معه لا نفهم بالتحديد ولكننا مستمتعين أيما استمتاع بالتفاصيل وحركة الكاميرا والألوان والمشاهد المتقنة العلوية للقاهرة القديمة جدًا، والتي هي بالطبع ليست حقيقيةً فتدرك أنّ كل شيء في الفيلم مصنوع بإتقان بدءًا من المؤثرات الخاصة والجرافيكس، وصولًا إلى مكساج الصوت في الأغنيات التي يؤديها ممثلون على الشاشة ومغنون وراء الكواليس، كل هذا تحت قيادة شريف عرفة، الذي هو بالفعل لا يخرج فيلمًا فقط، بل كما ذكر على التتر هو صاحب قصة سينمائية.

الختم في الدرج VS الكنز في الفيلم

محمد رمضان فيلم الكنز
سيمفونية فيلم الكنز لن تكتمل بمؤلف متمكن ومخرج يعرف ما يفعله فقط، بل يستلزم تلك الأداة الأقوى التي بإمكانها أن توصل الفيلم للجمهور في النهاية هذه الأداة هي الممثل بالطبع، وفي فيلم الكنز يمكننا أن نقول بضمير مستريح أنّ اختيار الممثلين كان من أفضل الاختيارات ولم يخذل المشاهد في أي من الشخصيات، ربما باستثناء عباس أبو الحسن الذي قام بأداء دور مقدم الدرك حسن الكلبي، ليس لأنّه لم يجيد أداء الشخصية بل لأنّك تعرف أنّ هذا الجمود يميز أداءه بشكل عام، والشاب حسن بشر الذي تجتمع عنده خيوط الحكاية والذي يقوم بدوره أحمد حاتم لم يكن مميزًا بشكل خاص، كما لم يكن هاني عادل أيضًا الذي قام بدور سننموت المهندس عشيق حتشبسوت السري، وهو مالم يحدث مع باقي شخصيات العمل الذي كان كل منهم في مكانه تمامًا ومميزًا بشكل خاص جدًا، وبالطبع مقارنة بعدد الشخصيات والنجوم الذين ضمهم الفيلم، لن تنتبه إلى أنّ هؤلاء الشخصيات لم يكونوا موفقين تمامًا، خاصةً أنّهم لم يفشلوا هم فقط لم يكونوا مبهرين كأقرانهم في نفس العمل.
محمد سعد فيلم الكنز
أمّا مفاجأة الفيلم النجم الذي انتظره الجمهور كثيرًا، والذي كان مصرًا على أن يدفن نفسه رغم مواهبه الجبارة، محمد سعد الذي يستولي على الشاشة تمامًا ما أن يطل عليها، كان جبارًا يمثل بجسده وخلجات أصابعه ونظرة عينيه، بل حركة بؤبؤ العينين توصل لك إحساسًا مختلفًا في كل مشهد، أخيرًا خرج محمد سعد الحقيقي من عباءة الكوميديا الرخيصة وانطلق كالرصاصة في وجوهنا، كانت رصاصة جميلة في كل مشهد يجعلك تهتف داخلك أنّه تأخر كثيرًا جدًا في أن يخرج علينا، ولكنه في النهاية – وحمدًا لله – قد خرج.
أيضًا محمد رمضان الموهوب بلا جدال، والذكي جدًا في اتباع نبض السوق وما يتطلبه، هنا في الكنز كان يمارس التمثيل فعلًا، بلا تطجين في الكلام ودون مصطلحات خاصة تفسد الشخصية، أطلق الممثل من عقاله وكبح جماح التاجر الشاطر الذي لا يهمه سوى الإيرادات وأن يكون رقم واحد.

حلوين من يومنا والله

أحمد رزق فيلم الكنز
باختصار فيلم الكنز يعود بالسينما المصرية لحرفية الصناعة في كل تفاصيلها، مع اللحاق بركب العالم في تقديم أفلام ضخمة إنتاجيًا، وتحوي قيمةً حقيقيةً. قيمة تحكي تاريخ بلد يستحق أن يروى لأنّه مهم ولأنّه جميل ومشوق وملهم، بح صوتنا كثيرًا في أنّنا نمتلك مادةً خام يمكننا منها أن نصنع فنًا لا نهائي إذا نحن فقط كرسنا مجهوداتنا لرواية ما حدث، فتلك الأرض تمتلك حكايةً في كل شبر ووراء كل جدار وتنتظر فقط من يرويها.
كل فرد في فريق عمل فيلم الكنز هو كنز في حد ذاته، وهناك غيرهم كثيرين، الأمر فقط يتطلب إيمانًا بأهمية الفن، وبأحقية هذا الوطن أن ينتج فنًا حقيقيًا بعيدًا عن ما يحدث مؤخرًا على كل الشاشات، وثقة أنّ هذا الفن سيلاقي نجاحًا كانت أحد علاماته هو تصفيق جمهور قاعة العرض بعد انتهاء الفيلم في أول حفل عرض له في الموسم.
فيلم الكنز يستحق المشاهدة ويستحق الإشادة، فنحن أخيرًا صنعنا فيلمًا متقنًا من الناحية الفنية، وجماهيريًا وجاذبًا للجمهور العادي، وتجاريًا بامتياز، ويحمل قيمة مضافة ويعرفك شيئًا ما عن تاريخ الأرض التي صنع فوقها هذا الفيلم/ الكنز.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة ل الكيان التكنولوجي 2016